الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
194440 مشاهدة print word pdf
line-top
باب سجود السهو

[باب: سجود السهو والتلاوة والشكر]
وهو مشروع إذا: زاد الإنسان في صلاة ركوعا، أو سجودا، أو قياما أو قعودا، سهوا .
أو نقص شيئا من المذكورات: أتى به وسجد للسهو.
أو ترك واجبا من واجبات الصلاة سهوا.
أو شك في زيادة أو نقصان.
وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قام عن التشهد الأول فسجد .
وسلم من ركعتين من الظهر أو العصر، ثم ذكروه، فتمم وسجد للسهو .
وصلى الظهر خمسا، فقيل له: أزيدت الصلاة؟ فقال: وما ذاك؛ قالوا: صليت خمسا، فسجد سجدتين بعدما سلم. متفق عليه .
وقال: إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى: أثلاثا، أم أربعا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته. وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان رواه أحمد ومسلم .



[باب: سجود السهو والتلاوة والشكر]
هذا الباب يذكره الفقهاء بعد صفة الصلاة؛ لأنه يعتبر من تمام الصلاة، ولما كان سجودا زائدا ألحقوا به ما يشبهه كسجود التلاوة وسجود الشكر.
أولا: سجود السهو:
قوله: (وهو مشروع إذا: زاد الإنسان في صلاة ركوعا، أو سجودا، أو قياما، أو قعودا، سهوا...) إلخ):
سجود السهو : هو سجدتان في آخر الصلاه، وفي شرعيتهما دليل على أن أفضل أركان الصلاة هو السجود، فلذلك جبرت الصلاة بالسجود إذا حصل فيها شيء من الخلل وسجود السهو مشروع في الزيادة أو النقصان أو الشك.
* فالزيادة: كأن يركع ركوعين في ركعة واحدة سهوا، فيعتبر أتى بركن زائد، فيجبره بسجود السهو، وكذا لو سجد في الركعة ثلاث سجدات فيعتبر قد زاد ركنا، وكذلك لو قام إلى ركعة خامسة فيعتبر قد زاد قياما، وكذلك زيادته جلسة -مثلا- غير جلسة الاستراحة كأن يقوم ويجلس ساهيا يعتقد أنه بين السجدتين فقد زاد جلوسا.
قوله: (أو نقص شيئا من المذكورات: أتى به وسجد للسهو):
* وكذلك إذا نقص : فإذا نقص ركنا لا تتم الصلاة إلا بذلك الركن، فيأتي به
ويسجد، فمثلا إذا ركع ومن ركوعة انحط ساجدا، وترك الرفع، فقد ترك ركنا وهو الرفع، فلا بد أن يقوم ويأتي به، ثم يأتي بما بعده، وكذلك لو سجد سجدة واحدة ثم قام وترك الجلسة التي بين السجدتين والسجدة الثانية، فلا بد أن يرجع من قيامه، ويجلس بين السجدتين، ثم يسجد سجدة ثانية، ثم يقوم، ويسجد للسهو؛ لأنه ترك ركنا ثم أتى به.
قوله: (أو ترك واجبا من واجبات الصلاة سهوا ):
* أما الواجبات فهي ثمانية : التكبيرات، وتسبيح الركوع، وتسبيح السجود، وقول: رب اغفر لي، والتسميع، وقول: ربنا ولك الحمد، والتشهد الأول، والجلوس له، فإذا ترك شيئا منها يجبره بسجود السهو ولا يلزمه أن يأتي به، فإذا قام- مثلا- للوكعة الثالثة وترك التشهد الأول وجلسته فلا يلزمه أن يأتي به، بل يكمل صلاته ثم يسجد قبل السلام سجدتين.
قوله: (أو شك في زيادة أو نقصان):
وهكذا في الشك : فإذا شك هل سبح في الركوع أم لم يسبح؟ فبعضهم يقول: (سبحان ربي الأعلى) في الركوع سهوا، ثم يرفع، فيكون قد ترك تسبيح الركوع وهو (سبحان ربي العظيم)، وكذا في السجود، فإذا لم يتدارك ذلك فعليه أن يسجد للسهو، وكذلك من شك في زيادة، فمثلا شك أنه كرر السجود ثلاثا أو الركوع مرتين، ولم يكن مستيقنا، فيسجد للسهو.

قوله: (وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قام عن التشهد الأول فسجد قبل السلام... إلخ):
أورد المؤلف هذه الآثار كدليل على ما ذكره من المسائل، وهي عادته أنه يذكر المسائل ثم يأتي بالأدلة كدليل على المسائل التي ذكرها.
أولا: الدليل على ترك الواجب : قوله: وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قام عن التشهد الأول فسجد): أي: أنه ترك واجبا من واجبات الصلاة وهو التشهد الأول والجلوس له، فجبره بسجود السهو قبل أن يسلم من صلاته، ولم يأت به.
ثانيا: الدليل على نقص شيء من الأركان : قوله: وسلم من ركعتين من الظهر أو العصر، ثم ذكروه، فتمم وسجد للسهو): أي: أنه أنقص من الصلاة بعض أركانها، وهي قصة ذو اليدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر أو العصر فسلم، فقال له ذو اليدين: الصلاة يا رسول الله أنقصت؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: أحق ما يقول؟ قالوا: نعم. فصلى ركعتين أخريين، ثم سجد سجدتين .
ثالثا: الدليل على زيادة شيء من الأركان : قوله: وصلى الظهر خمسا، فقيل له: أزيدت الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟! قالوا: صليت خمسا، فسجد سجدتين بعدما سلم .
أي: أنه زاد ركنا من أركان الصلاة، فلما ذكروه اتجه إلى القبلة وسجد سجدتين، ثم سلم.
رابعا: الدليل على الشك في الزيادة والنقصان قوله: إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى: أثلاثا، أم أربعا؛ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ... ثم ذكر الحديث لأنه لم يبن على غالب ظنه، بل بنى على ما استيقن، أي: في أثناء الصلاة، فقد شك هل صلى اثنتين أم ثلاثا؟ ولم يترجح عنده أحد الاحتمالين، فيبني على ما أستيقن، وهو الاثنتين، ويتم على أنهما اثنتين، ويسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا فالسجدتان تشفعان صلاته لأن المطلوب أن تتم الصلاة شفعا، وإن صلى أربعا فهي ترغيم للشيطان، أي: إلصاق لأنفه في الرغام -وهو التراب- إذلالا له إهانة.
وأما إذا بنى على غالب ظنه فإنه يسلم، ثم يسجد سجدتين، ثم يسلم كما سيأتي.

line-bottom